کد مطلب:195849 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:282

مقدمة الطبعة الثالثة
الانسان مخلوق ركب من روح وبدن ولكل من جزئیه صحة ومرض وما یحدث لكل منهما یؤثر فی الآخر أما الطبیب فهو المطیب للنفوس بكلامه وأخلاقه والمعالج للروح والبدن والحافظ لصحتهما بالعقاقیر والارشادات الصحیة معاً بمعنی أن الطبیب الحقیقی هو طبیب الروح والبدن ذلك لأنا نری أن كثیرأ من العوارض النفسیة الروحیة كالغضب والحزن والحب والفراق وأمثالها تسبب إنحراف صحة البدن كما أن إنحراف صحة البدن تغیر الأخلاق وتسیء الطباع وتكدر الحواس إلی غیر ذلك فاذا لم یكن الطبیب روحیاً عارفاً بالإنحرافات النفسیة فلا بد له أن یعالج هذه العوارض البدنیة الناشئة عن عوارض الروح بالمسهلات أو المشهیات أو ما أشبه ذلك وهذا بالطبع لا یوصله إلی الدواء الناجع المفید لأن العلاج فی الحقیقة هو إزالة السبب وكذلك إذا رأی فی مریض أرقاً أو قلقاً ناشئاً عن الفكر المزعج أو الخیالات الفاسدة داواه بالحبوب المهدئة والمنومة وهذا أیضاً بالطبع لا یغنی ولایشفی إذا لم یدفع السبب وهو الخیال والفكر لكن الطبیب النطاسی الحكیم الجامع للطبین والعارف بالعلاجین الروحی والبدنی فانه ینظر إلی المریض من الوجهتین فمن كان محتاجاً إلی العقاقیر الطبیة عالجه بها ومن كان محتاجاً إلی النصح أو التسلیة أو إدخال الطمأنینة والاستقرار إلی قلبه وذلك بتهوین المرض أو الاوعاد أو أمثالهما مما یراه مناسباً للوقت والمرض داواه بها وأحیانا بهما معاً.

فمثل هذا هو الطبیب الكامل والمعول علیه فی ملاحظة الجسم والروح ومعرفة طرق علاجهما وبدیهی أن ذلك لا یتیسر إلا لكبار رجال الفن أو أعاظم أئمة الدین الذین اقتبسوا فنهم الروحی عن السماء وأخذوا علاجهم بالتلقین والتعلیم النبوی والصحف السماویة الحكیمة. أما الاسلام فانه یری الانسان موجوداً خلق لیعیش



[ صفحه 5]



فی عوالم كثیرة وكلها تحتاج إلی صحة وسلامة واطمینان لیسعد فی حیاته ویرغد عیشه لذلك فقد ضمن له إصلاح كل تلك النواحی بتعالیمه وإرشاداته فی فروضه ومستحباته ومكروهاته ومباحاته، كما أنه یری أن الروح والجسم وإن كانا وجودین مستقلین لكنهما ممتزجان ومتصلان إتصالا یجعل أی تغیر یحصل فی إحداهما فهو فی الآخر صحة أو مرضاً لذلك فهو یطبهما مادیاً ومعنویاً ویعالجهما دنیویاً واخرویا.

خذ مثلاً الغسل والوضوء والتیمم وانظر إلی شروطها وترتیبها لتعرف منظور الدین الاسلامی الحكیم فی جعلها تطهیراً عرفیاُ وطبیاُ فی جنب الطاعة الموجبة لاطمینان الخاطر والأمن فی أداء الواجب الاخروی ومن البدیهی المسلم أن أهم ما یلحظه الدین الاسلامی فی العلاج والاصلاح فی كل تكالیفه هو إدخال الطمأنینة والأمن إلی النفوس فانهما الحجر الأساسی فی مداواة الروح والبدن.

فالأنبیاء علی هذا هم الأطباء الروحیون وهم المربون الاخلاقیون إذ لم تهبط رسالة سماویة ولم یبعث نبی أو رسول إلاّ بتهذیب الأرواح وصحة النفوس وتعلیم الاخلاق الفاضلة ولكن لما كان الجسم قالبا للروح وكانت لسلامته وصحته دخل كبیر فی صحة الروح وسلامتها كان القسم الوافر من تعالیم الانبیاء لعلاج البدن ومداواة أمراضه وأدوائه.

قال النبی (ص): إن هذه القلوب تعمل كما تعمل الأبدان.

وقال أمیرالمؤمنین علی بن أبی طالب «ع»: إن للابدأن حالات ست؛ الصحة والمرض والنوم والیقضة والموت والحیاة، وكذلك الارواح فان صحتها الیقین ومرضها التردید ونومها الغفلة ویقضتها التوجه وموتها الجهل وحیاتها العلم.

ومن هنا نعرف أن سلامة الروح وصحتها تدل علی صحة الجسم لذلك قیل: العقل السلیم فی الجسم السلیم، وإن من أعظم دلائل صحة الروح هی سلامة الأخلاق والانصاف بمكارمها لذلك قال النبی (ص): بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.



[ صفحه 6]



إذن فالدین الاسلامی هو ذلك الدین السماوی الذی یكفل صحة الابدان والأرواح بالاخلاق ویعالج أمراضهما بالتعالیم والارشادات، والنبی (ص) هو ذلك الطبیب العالمی العظیم ومنقذ الارواح والاجسام من الامراض والآلام بقرآنه وسننه. ولما ارتقی (ص) بروحه إلی الروح والریحان خلف من بعده قرآنه وعترته الذین هم مبلغوا سنته وموضحوا قانونه لذلك تجد الأئمة أوصیاء النبی (ص) كلهم یعالجون الارواح والابدان ویداوون بالعقاقیر وبالكلمات الحكیمة والتعالیم القیمة والارشادات النافعة.

وقد كان الامام الصادق «ع» أكثرهم علاجاً وأشدهم إبتلاء لكثرة ما كان فی عصره من الانحرافات الروحیة والأدواء النفسیة فكان «ع» وحده المرجع والمآل والفرد والمسؤول عن إصلاح إی إنحراف ومن أی جهة كان وهو المجیب عن كل سؤال أیا كان سائله، حرصاً علی نشر الدین وحفظا لشریعة جده سید المرسلین وإقامة لدعائم التوحید ودحضا لمزاعم الملحدین ورداً لأقاویل المنافقین وإصلاحا للابدان ووقایة لها من الأسقام فكان من بعض ما ورد عنه فی تلك المجالات الواسعة وقلیل من كثیر ما عثرنا علیه من علاجاته الكثیرة، هذا الكتیب الصغیر الذی هو كأنموذج لطبه وكاشارة إلی علمه وحكمته، فالبحر المحیط لایستطیع أن ینفذ إلی قعره سابح وإن إجتهد، والامام لایمكن أن یحصر علمه مأموم وأن بالغ فی إتباعه واستقراء مایرد عنه. ولما رأیت إقبال القراء علی هذا الكتیب شدیداً حتی طبع مرتین وسرعان ما نفذت هاتان الطبعتان ثم طلب إلی إعادة طبعه للمرة الثالثة لازدیاد طلابه أحببت أن أعلق علیه بعض التعلیق الموضح وأتوسع فیه بعض التوسع طلبا للاستفادة منه والانتفاع به.

وإلی الله العلی القدیر أبتهل أن یوفقنی لمرضاته ویوزعنی أن أشكره فانه حمید مجید والله من وراء القصد.

النجف الاشرف 15 / 11 / 1383هـ

محمد الخلیلی



[ صفحه 7]